Un conte populaire

L’écriture fut la première étape qui a permis de dater l’Histoire de l’Humanité. Sans l’écriture nous aurions eu beaucoup de difficultés à déchiffrer et comprendre notre vrai passé.

Jérusalem, Palestine – La Mosquée d’Omar
Mais, à côté de l’écriture, l’oralité a joué un rôle très important pour préserver le passé, et bien qu’elle ne fut pas écrite – tout le temps, ou immédiatement – elle est la référence pour beaucoup de documents et de manuscrits ultérieurs confirmant les contes oraux, « ces racontats. » Les contes oraux sont perpétués par les « hakawâtî(s) », les conteurs publics et influencent jusqu’à nos jours les auditeurs, dans les « souks » ou les cafés.

Mon père nous racontait, lorsque nous étions, mon frère et mes sœurs, jeunes, cette gentille historiette qui est restée ancrée en ma mémoire. C’est pourquoi j’ai préféré l’écrire ainsi ne sera-t-elle pas perdue pour ceux qui sont amoureux des contes et légendes.

التاريخ بدأ مع الكتابة. وإذا الشعب لا يسجّل أو لا يدوّن أو لا يكتب تاريْخه وأدبه وحضارته وتقاليده فإنّ كلّ ذلك سَيُمحَى ويضيع ويزول ويُنسَى ويَغيب عن الذهن نِهائِيّاً. وشعبنا قام بالكتابة منذ بزوغ الأحرف واقتبس من الكتابة الفينيقيّة، ككُلّ الكتابات العالَمية، حروفه الجميلة وخطه الفنيّ الرائع. ولكن ليس كلّ ما قيلَ كُتِب. ولذلك رغبتُ في قرارة نفسي أن يسجّل كلُّ عربيّ ما يَحفظُه شفهياً، أسَمِعَهُ من جدّه أو جدّته، من أبيه أو من أمّه، أو من كل مَن حكى قصةً غير مدوّنة ؟ وذلك من أجل الاحتفاظ بأدبنا الشفهي ليُغنِيَ بذلك تقاليدنا الْمَحفوظة وغير الْمَكتوبة. وجئتُ اليوم أسرُدُ قصّةً كان والدي يَحكيها لنا ونحن صغار. وهي تذكّر بفترة من تاريْخنا وإن لم يكن ذلك من الأدب الرفيع إنّما يُبدي لنا مُجتمعَنا القديم وكيف كان. ملاحظة : أطلب عفوكم عن استعمال بعض الكلمات الشعبية النابية والْمُبتذلة، وأعتذر منكم عن ثقل بعض الشروحات التي أضفتها والتي لابد أن تُفَسَّر لفهم القصّة.

يُحكى أنه في فترة من تاريخ الشرق الأدنى، في الثلاثينات من القرن العشرين، انتشرت مَجاعة يرافقها بؤس شديد من جراء الجدب والجفاف، وجرت هذه الأمور أثناء الحروب العالمية التي كان يُحضّر لها الأوروبيون والأمريكان.

في بعض القرى كانت النساء يحضرن طعام العائلة من ما توفر بين أيديهن. فمرةً تغلي المرأة الماء مضيفة إليه الطحين والملح، وكانت تُسَمّى هذه الأكلة « ماش »، لأن محتواها نذر. ومرّة تغلي المرأة الماء وتسكب عليه بعض نقاط من الزيت، فيطفو الزيت على وجه الماء ويصبح له بريق ولمعان وكانت تُدعَى هذه الأكلة « النجومية » للنجوم التي تزينها. وذات يوم طلبت زوجة (فَلنُسَمّها بَهيّة) من زوجها (دعنا نُسَمّيه شاهين) أن يَجلب لها كيساً من طحين لتُحضّر للعائلة أكلة « ماش ». ونبّهت بَهية زوجها بأن طلبت منه أن يكرر كلمة ماش دون توقّف، كي لا ينسى ما عليه أن يشتريه، لأنَها تعرف نسيانه.

أخذ شاهين عصاهُ وخرج وهو يردد كلمة ماش، ماش، ماش. حتى قَرُبَ من صيادِي سمك على حافة النهر. فكان كلّما ألقى صيّاد صنّارته يتمتم شاهين : ماش، ماش، ماش. ومن ساعتها لم يُخرِج الصيّادون من النهر شيئاً. فقالوا إن شاهين يدعو لربّه كي لا نصطادَ شيئاً اليوم. فاتفقوا أن يضربوه وأن يُبعِدوه عن مكان صيدهم. فضربوه وهو ما زال يقول ماش. فقالوا : عليك بأن تقول : « إن شاء الله، ستة سبعة كبار، إن شاء الله ستة سبعة صغار ». فتألّم شاهين من الضرب ونسي كلمة ماش وبدأ يردد : إن شاء الله ستة سبعة كبار، إن شاء الله ستة سبعة صغار. وتابع طريقه متوكلاً على الله. وإذ بِجنازة فخمة تَمُرّ أمامه، يتقدمها القضاة والفقهاء والْحُرّاس : وشاهين ما زال يتمتم : « إن شاء الله ستة سبعة كبار، إن شاء الله ستة سبعة صغار »، وهو يشاهد المشاركين بالعزاء. فغضب الناس منه خصوصاً وأن الْموكِب كان لِجنازة القاضي الكبير في البلد. وانصبّ أهل الجنازة على شاهين ضرباً. فسألهم : وما عليّ أن أقولَ : فردّوا : تقول « الله يرحَمُه، ما كان أعظَمُه ». فسار شاهين في طريقه وهو يردد : » الله يرحمه، ما كان أعظمه » ! وفي طريقه تعثر بِجيفة كلب ميت. فبدأ يلكزه بعصاه ويقول  » الله يرحمه، ما كان أعظمه » فلما سمع الناس ما يقول، متَحسِّراً على الكلب إلى هذا الْحَدّ، هجموا عليه يريدون قتله لأنه يتحسّر على حيوان نَجِس. فلمّا أشبعوه ضرباً سألهم : وما عَلَيّ أن أقول ؟ أجابوا : « تفو ما أنْجَسو، تفو ما أوسخه ». فتابع شاهين مسيرته وهو يردد  » تفو ما أنْجَسو، تفو ماأوسخه ». حتى وصل إلى دار عامرة يصدح فيها الغناء والموسيقا، ورأى الناس تأكل وتشرب مبتهجةً. ولكن شاهين ظل على نغمته حين رأى الناس تأكل، فكرر ما علموه إياه « تفو ما أنْجسو، تفو ما أوسخو » ! فغضب الناس منه وهو يتقزز من أطايب ما يأكلون ويلتهمون وقالوا أمِنَ العرس والأكل قرفك ؟ وقاموا بضربه من كل جانب حتى سكت وسألهم :إذاً ما عليَّ أن أقول ؟ أجابوا « آه ما أطيبه، آه ما ألذّه ». عرض أهل العرس على شاهين أن يأكل معهم، فلما شبع اِنطلق خارجاً وهو ما زال يردد « آه ما أطيبه، آه ما ألذه ». وإذا بِهِ أمام جمع يتقاتلون. فكان شاهين، بعد كل ضربة قوية للخصم يتمتم « آه ما أطيبه، آه ما ألذه » فتوقف القتال وقرر الْمُتخاصمون والمتقاتلون أن يلقنوا شاهين درساً لا ينساه. فامسكوه وقام كل واحد بضربه ولطمه ورفسه حتى اكتوى من شدة الضرب. فسألهم : وماذا أقول ؟ أجابوا تقول « تعالوا أنقذوا إخوانكم المسلمين من إخوانكم المسيحيين، تعالوا أنقذوا إخوانكم المسيحيين من إخوانكم المسلمين ». ففهم شاهين الدرس وما زال يردد « تعالوا أنقذوا إخوانكم… ». حتى أوصلته الطريق إلى زاوية كان يتناوش فيها كلبان شريران، وكان كل واحد منهما ينهش في لحم خصمه بضراوة وجشع. فبدأ صاحبنا شاهين يصيح  » تعالوا أنقذوا إخوانكم المسلمين من إخوانكم المسيحيين ، تعالوا أنقذوا إخوانكم المسيحيين من إخوانكم المسلمين » فلما سمع الناس ذلك الكفر هجموا على شاهين وانْهالوا عليه ضرباً. « إنك تشبّه المسلمين والمسيحيين بالكلاب يا كافر، يا زنديق ! إذاً ماذا أقول ؟ تقول « هشت ، هشت » (وهذا ما يقال للكلاب كي تَهدأ وتسكت). فتابع شاهين طريقه وهو يقول  » هشت، هشت ». حتى أتى إلى دكان دباغة الجلود. وكان الصانع يُمسِك بأسنانه طرفاً من قطعة الجلد التي يريد مطّها حتى تتمدد، ويشد بيديه الاثنتين الطرفين الآخرين من الجلد، إلى اليمين وإلى اليسار كي يتم مط القطعة كلها. فكان كلما مطّ الدباغ الجلد بأسنانه، يقول له شاهين « هشت، هشت « . فلما سمع الدباغ ما كان يتلفّظ به شاهين قام إليه وأشبعه ضرباً. فسأله شاهين : وماذا يجب أن أقول في هذه الحال ؟ ردّ الدباغ : تقول « شطها ومطها لتطلع طرحة لِلنعلَين » . فمضى شاهين وهو يردد بين شفتيه الجريْحتين « شطها ومطها لتطلع طرحة لِلنعلين » . وما زال يردد أنشودته هذه حتى وصل دكان الحلاق. ,وكان القاضي الجديد جالساً بكل أبَهة على الْمخادّ، وكان الْحلاق يَمشط له لِحيَتَهُ الطويلة حتى الركبتين، مسبحاً ومتمتما بالدعاء للقاضي. ولكن شاهين الذي حفظ الجملة الأخيرة التي اجبروه على تردادها بدا يقول  » شطها ومطها لتطلع طرحة للنعلين ». وما كاد الحلاق يسمع ما قاله شاهين من قلة اعتبار وشتيمة للقاضي، حتَّى انْهال على صاحبنا ضرباُ حتى أدماه. فقال شاهين وهو يتلعثم، وما يَجب أن أنطق به ؟ قال القاضي : استَْمِع جيّداً ؛ تقول « تعيش وتأكل من تَحتَك » . ( وهذا معناه بأن المترافعين في المحاكم لم يكونوا يسلمّون الدراهم للقاضي باليد وأمام الملأ، حشمة وأدباُ، إنما كانوا يضعون المال تَحت الْمَخَدّة، أو تَحت الوسادة اللتي كان القاضي يَجلس عليها). وانطلق صاحبنا شاهين وهو يردد « تعيش وتأكل من تَحتك  » حتى ابتعد عن البلد. وإذا به أمام رجل منفرد في مكان واطئ، جالساً القرفصاء ليقضي حاجته. فوقف أمامه صاحبنا وهو يتمتم « تعيش وتأكل من تَحتك » فغضب الرجل المشغول بِحاجته الماسّة وقام إليه وضربه، وأقَرَّ لهُ بِأنه لو لم يأكل « ماش » صباح ذلك اليوم لما جرت معدته وانسهل. فلما تلفّظ الرجل بكلمة « ماش » هب شاهين واقفاً وتذكر ما كان عليه أن يشتري في الصباح لزوجته، وقام يركض كالْمَجنون كأنّه « واقع في الساعة ». وعندما وصل الدار سألته زوجته بَهية عن « الماش » فبدأ يتلعثم ويبرطم ويعتذر ! فقامت إليه بالعصا وضربته حتى فشّت غلها منه.

ولا تخبرنا القصة إذا تعشى الزوجانِ والأولادُ في تلك الليلة أم لا !

Visites : 55